الروهينغا.. بين الاغتصاب والموت على متن قوارب الهجرة

الروهينغا.. بين الاغتصاب والموت على متن قوارب الهجرة

 

سلطت حادثة غرق قارب صيد كان يحمل العشرات من لاجئي أقلية الروهينغا المسلمة إلى إندونيسيا الضوء على المآسي التي تواجهها هذه الأقلية، حتى بعد الفرار من جحيم الانقلاب في بلدهم الأصلي ميانمار (بورما).

ونقلت وكالة أسوشيتد برس شهادة ناجين من حادث القارب الأخير قبالة سواحل إندونيسيا، من بينهم فتاة بعمر 12 عاما تعرضت وأخريات للاغتصاب من قبل القبطان وأفراد الطاقم، ومن كان يرفض من الرجال أو النساء، كان يهدد بالقتل، بل وتهديد القبطان بإغراق السفينة.

وحوصرت الفتاة التي أشير لها بالحرف الأول "أ.ن" ونحو 140 لاجئا آخرين على متن قارب الصيد الخشبي، بعد أن فروا من بنغلادش ومن وطنهم، ميانمار، في محاولة للهروب من العنف والإرهاب، لكنهم واجهوا نفس الفظائع مع طاقم القارب.

ويعاني أفراد أقلية الروهينغا من الاضطهاد في ميانمار، ويخاطر الآلاف بحياتهم كل عام في رحلات بحرية طويلة وباهظة التكلفة تتم عادة على متن قوارب مهترئة، من أجل الوصول إلى ماليزيا أو إندونيسيا.

من جانبها، أعربت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عن "قلقها البالغ" حيال الحادثة، مشيرة إلى أن "عشرات اللاجئين الروهينغا" بحاجة ماسة إلى الإنقاذ من دون أن تؤكد عددهم الدقيق.

ومنذ منتصف نوفمبر حتى أواخر يناير، وصل 1752 لاجئا، معظمهم نساء وأطفال، إلى إقليمي أتشيه وشمال سومطرة في إندونيسيا، وفق المفوضية، وهو أكبر تدفق للاجئين إلى البلاد، منذ عام 2015.

وعلى مدار العامين الماضيين، فر الروهينغا بشكل متزايد من مخيمات اللاجئين في بنغلادش، مع تصاعد عنف العصابات ونقص الغذاء، ومن ميانمار، حيث تصاعد الصراع الدموي بين المجلس العسكري الحاكم والجماعات المتمردة.

ويدرك أفراد الروهينغا مخاطر السفر عبر البحر، لكنهم يقولون إن العالم لم يترك لهم سوى خيارات قليلة.

من بين هؤلاء الطفلة الناجية من غرق القارب "أ.ن" التي فرت من هجمات جيش ميانمار، وهربت مع عائلتها إلى بنغلادش المجاورة.

 وهناك، عاشت ما يقرب من سبع سنوات في مخيمات اللاجئين.

ومثل العديد من فتيات الروهينغا القاصرات، وُعدت بأن تكون زوجة لرجل في ماليزيا لم تتحدث معه إلا عبر الهاتف.

وتعود هذه الزيجات إلى اليأس، إذ لم يعد العديد من الآباء في المخيمات قادرين على إطعام أطفالهم أو دفع المهر التقليدي الذي يطلبه من يتقدمون للزواج وفقا للتقاليد المحلية.

ويتنازل الرجال في ماليزيا عن المهور وغالبا ما يرسلون الأموال إلى والدي العروس.

وكانت الفتاة تأمل أن تصل إلى ماليزيا، حيث وُعدت بأن تكون عروسا طفلة لرجل لم تقابله من قبل. لكن ما حدث على متن الرحلة جعل "أ.ن" والآخرين على متن القارب يخوضون معركة أخرى من أجل البقاء.

الفتاة كانت مع آخرين في مركب كبير وكانت الأمور عادية، قبل أن يتم إنزالهم إلى مركب الصيد وهناك بدأت المأساة.

وقدر أحد الركاب الناجين، محمد أمين، أن القارب صمم لاستيعاب 60 شخصا على الأكثر، وليس 140.

ومع انطلاق رحلة القارب، قام القبطان وطاقم الطائرة الإندونيسي بفصل الرجال عن النساء، وأجبروا الرجال على دخول عنابر القارب الضيقة والخانقة، وكانت إحداها تحت غرفة نوم القبطان. ويقول أمين إن كل من احتج تعرض للضرب.

وتوجه القبطان والطاقم نحو النساء والفتيات، لكنهن لم يتحدثن اللغة الإندونيسية ولم يستطعن فهم مطالبهن.

وسُمح لعدد قليل من رجال الروهينغا الذين يتحدثون اللغة بالخروج من العنبر للترجمة. عندما فهمت النساء ما يريده القبطان، بدأن في البكاء.

وطلب الرجال من الطاقم ترك النساء وشأنهن، فقام الطاقم بضربهم، ثم ضربوا النساء.

وأصبحت سميرة، البالغة من العمر 17 عاما، والتي كان زوجها عالقا في العنبر، هدفا، إذ أمرها القبطان والطاقم بالدخول إلى غرفة النوم.

وقالت فاطمة خاتون، إحدى أقارب سميرة، للمراهقة باكية أن تقول لهم إنها مريضة، واستخدمت إشارات اليد لتشرح للقبطان أنها متزوجة، لكنهم فعلوا ما فعلوه.

أما "أ.ن" فلم يكن لديها من يحميها، وسرعان ما لفتت انتباه القبطان، ولم يكن لديها خيار.

وهكذا، دخلت "أ.ن" وأربع نساء وفتيات أخريات إلى غرفة النوم، ولم يمض وقت طويل حتى تحطم سكون الليل بصراخهن.

أما الرجال الذين تجرؤوا على الصعود إلى سطح السفينة، فكان يمكنهم رؤية الاغتصاب وهو يحدث من خلال نوافذ الغرفة، لكنهم كانوا عاجزين عن وقف الجريمة مع تهديدهم بالقتل من الطاقم المسلحين.

وقال الركاب إن القبطان وطاقم الطائرة كانوا يشربون الكحول ويدخنون الماريغوانا.

وكان القبطان يزداد غضبا.

وقال للنساء ذات مرة: "إذا لم تدخلن الغرفة، فسوف أقلب هذا القارب!".

ويقول مراهق يدعى جنات (19 عاما) إنه رأى القبطان وهو يدفع عجلة القيادة برجله.

ومالت السفينة بعنف، ما أدى إلى سقوط ركاب في البحر، "وكان من بين القتلى أمهات وآباء وأخوات وإخوة وصبي يبلغ من العمر ثلاث سنوات ووالديه".

أما "أ.ن" فشقت طريقها بجسدها الصغير وسط الزحام حتى وصلت إلى جسم القارب، لتتمكن من النجاة.

وعرف أمين أن عليهم الحفاظ على استقرار السفينة إذا كان لديهم أي أمل في النجاة، وطلب من الرجال الوقوف على زوايا السفينة لإيجاد توازن.

ورأى أمين القبطان وثلاثة من أفراد الطاقم وهم يسبحون بعيدا.

وحاول أفراد الطاقم الثلاثة الباقون ملاحقتهم، لكن أمين والرجال الآخرين أوقفوهم، وأجبروهم على البقاء على القارب.

ومرت الساعات، وكان المتواجدون على السفينة ينتظرون حدوث معجزة.

وفي الصباح، وصل قارب صيد آخر. وقفز عشرات الركاب في الماء وسبحوا باتجاهه، لكن قارب الصيد كان صغيرا ولم يكن يتسع لهم جميعا. وسمح الطاقم لستة أشخاص فقط بالصعود، ثم توجهوا إلى الشاطئ.

وتعرض قارب "أ.ن" للانقلاب مرة أخرى، وحينها غرق 20 شخصا.

ووصل المزيد من قوارب الصيد وطلب الركاب المساعدة، لكن ركابه قاموا فقط بالتقاط الصور وغادروا.

وحاول عدد قليل من ركاب قارب "أ.ن" السباحة إلى الشاطئ، ووعدوا بإرسال المساعدة إذا نجحوا، لكنهم لم يظهروا مرة أخرى أبدا.

وانتظر الجميع حتى وصلت أخيرا سفينة إنقاذ.

وفي الأيام التي أعقبت الكارثة، تم انتشال جثث 12 امرأة وثلاثة أطفال من المياه قبالة آتشيه، وفقا للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ورغم أن طاقم قارب الصيد أنقذ أول ستة أشخاص من صباح يوم 20 مارس، فإن سفن البحث والإنقاذ لم يتم إطلاقها إلا في وقت لاحق من ذلك المساء.

واكتشف المسؤولون القارب أخيرا حوالي الساعة 9 صباحا يوم 21 مارس، على بعد حوالي 22 كلم من الشاطئ.

وفي 2 أبريل، أعلنت الشرطة أنها ألقت القبض على ثلاثة من أفراد الطاقم، بالإضافة إلى رجل رابع لم يكن على متنه، ووجهت إليهم تهمة تهريب البشر، وهي تهمة تصل عقوبتها القصوى إلى السجن 15 عاما.

ولا تزال الشرطة تبحث عن بقية أفراد الطاقم، بمن في ذلك القبطان، الذي يبدو أنه في ماليزيا، حسب ما قال رئيس شرطة غرب آتشيه، آندي كيرانا.

وقال كيرانا إن الشرطة لا تنظر في توجيه اتهامات بالقتل، لأنها تعتقد أن الانقلاب كان حادثا.

لكن "أ.ن" والركاب الآخرين يعتقدون أن الكارثة كانت عملا انتقاميا للقبطان والطاقم الذين اعتقدوا أن بإمكانهم الهروب.

وقال كيرانا أيضا إن الشرطة لا تنظر في توجيه اتهامات بالاغتصاب، لأنها لم تتلقَ أي تقارير عن اعتداء جنسي.

لكن "أ.ن" تقول إن الشرطة لم تستجوبها قط بشأن ما حدث.

وفي الوقت الحالي، لا تزال هي والركاب الآخرون ينامون في الخيام خلف مبنى المكاتب الحكومية.

وقد تم نقلهم بين الملاجئ وسط احتجاجات من قبل السكان المحليين الذين يريدون رحيلهم. لكن لا يوجد مكان يذهبون إليه.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية